سلسلة مونديال قطر

مجتمع الميم دون ألوان

مشكلتنا مع الغرب* هي الاتجار والاستغلال، استخدام القضايا الإنسانية المحقة ككرت أحمر تشهره بوجه أمم دون أخرى، في الأوقات التي ترغبها ووفقاً لما يتناسب مع مصالحها، فتراها تنتفض لقضية ما إذا كان المذنب عدوها، وتتعامى عن قضية إذا كان المذنب صديقها، وهكذا، تبقى حقوق الإنسان بيدق في لعبة، تحركه الدول العظمى لتزيد سطوتها، تغزو بلدان باسمها، تقصف بلدان باسمها، تعتقل الأبرياء باسمها، تقصي الشعوب وتحقرها وتكرس تخلفها باسمها. وسط مجتمع، وأعني المجتمع الغربي، في نسبة كبيرة منه -كالغالبية المجتمعات في العالم، غير مكترث بتقصي الحقائق، ولا مستعد لفحص الرواية التي تحكيها وسائل الإعلام والحكومات التي تديرها.

لنا في موقف المنتخب الألماني قبيل مباراته مع منتخب اليابان مثال جيد على ذلك، حيث غطّى لاعبوه أفواههم للاحتجاج ضد ممارسات الفيفا بالتعاون مع دولة قطر لإسكاتهم وتقييد حريتهم. وفي المجتمع الغربي، لاقت هذه البادرة ترحيباً من البعض، وأثارت غضب البعض الآخر، ممن شككوا بنزاهة موقف المنتخب الذي لم يكن، بحسب رأيهم،  من المفترض أن يشارك في هذه المناسبة من الأساس. أو لعل اللفتة كانت بنظر البعض بقصد رفع العتب، أي تضامن لا يجلب أي شكل من أشكال المتاعب لأصحابه، الذين لم يضحوا حتى بالحصول على كرت أصفر قد يؤثر على فرصهم بالفوز، بل اختاروا القيام بحركة إعلامية تخفف من وطأة غضب شعبهم وجماهيرهم، وهذا ما فسره البعض على أنه زيف الاهتمام بقضية مجتمع الميم وقضايا العمال في المقام الأول.

أما في منطقتنا، فالغالبية العظمى نددت بإصرار المنتخب الألماني خصوصاً، والعالم الغربي عموماً على إثارة مشكلة حيال قضية، برأي هذه الغالبية، لا تستحق أي دعم. حيث يرى البعض أن إثارة هذه القضية بالذات (قضية مجتمع الميم-عين) نابعة من العدائية للشعوب العربية والمسلمة من الغرب، الذي نعلم علم اليقين أنه لا يكترث لحقوق الإنسان بقدر ما يستخدمها لصالحه. ولكن، استخدام الدول العظمى لقضايا إنسانية، وكون هذه القضايا مع الأسف أوراق رابحة تحركها لتزيد من سطوتها وقوتها، لا يعني أن علينا أن نتخلى عن هذه القضايا لنسجل هدفاً في مرمى الغرب.

الأمر الذي أثار حفيظتي، هو عمى أو تعامي المجتمع عن الظروف الحقيقية التي تحكم الأشخاص الذين ينتمون لمجتمع الميم-عين في منطقتنا، بخلط ساذج وسخيف بين ما هو عالمي وما هو محلي، فإذا كانت قضية المثلية الجنسية قد حظيت بمساحة خاصة في الإعلام والسينما والمسلسلات الغربية، وإذا كانوا الأشخاص المنتمين لهذا المجتمع يعيشون حياة جيدة مقارنة بالماضي في دول معينة، هذا لا يعني أن الأمر ينطبق عليهم هنا.

قد تكون الثغرات الحقوقية في منطقتنا هي ما يدفع الغرب للتمسك بقضية مجتمع الميم-عين أو قضايا حقوق النساء، خاصة أن العرب والمسلمين عموماً متشبثين بوجهات نظر معادية في بعضها لهذه الفئات. لا يخفى على أحد أن الدافع وراء ذلك سياسي بحت، ربما  (تفسير شخصي) طريقة لتظهر شعوب العالم الأخرى، وخاصة شعوب منطقتنا بمظهر المتخلفة والبعيدة عن الإنسانية والحضارة، مقياس تفاضل آخر يصب في مصلحة الدول العظمى، تبرر فيه لشعوبها تورطها العسكري والسياسي في منطقتنا، وتكرس أسطورة الرجل الأبيض المتحضر الذي سينقذ العالم من الغرق في مستنقع الجهل والتخلف.

دعم الغرب الانتقائي لقضايا محقة لا يسقط عنها شرعيتها. قضية مجتمع الميم-عين هي قضية إنسانية في المقام الأول، اهتمام الغرب المكثف بها لا يجعلها تفقد أهميتها، لا سيما بالنسبة لنا في المنطقة العربية، حيث ما تزال الهويات الجندرية والجنسية مجرمة وملاحقة. وأما عن آلاف القضايا المحقة الأخرى التي لا يزعج نفسه المجتمع الغربي بذكرها، فهي مسؤوليتنا، مسؤولية الجميع، ولكافة الشعوب والجماعات على هذه الأرض الحق بأن تذكر العالم بقضاياها، أن تحكي وتكتب عنها، دون إلغاء قضية على حساب أخرى. ولهذا أعتبر نفسي من أكثر المشجعين للماذاعنية whataboutism، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لأنها طريقة الشعوب المهملة والمهمشة أن تقول نحن هنا، ماذا بشأننا؟ طريقة فعالة لفضح نفاق كافة الجهات التي تنتقي ما يحلو لها من القضايا وتقصي قضايا أخرى.

*ملاحظة: لا أحب تسمية الغرب والعرب، أو الغرب والشرق، وقعها يذكرني ببرامج التحليل السياسي على قنوات التلفزة السورية، وأرحب بكافة المقترحات لتسمية بديلة، وإلى حين العثور عليها سأبقى مرغمة على استخدام هذه التقسيمة.

يمكنكم دعمي من هنا لأتمكن من الاستمرار في الكتابة.


اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: